مِن رَحْمَة الْلَّه عَز وَجَل بِعِبَادِه، أَنَّه وَهَبَهُم أَعْمَالا يَسِيْرَة يَعْدِل ثَوَابُهَا قِيَام الْلَّيْل، فَمَن فَاتَه قِيَام الْلَّيْل أَو عَجَز عَنْه فَلَا يُفَوِّت عَلَيْه هَذِه الْأَعْمَال لتَّثَقِيل مِيْزَانَه، وَهَذِه لَيْسَت دَعْوَة لِلْتَّقَاعُس عَن قِيَام الْلَّيْل مِنْهَا
(1) أَدَاء صَلَاة الْعِشَاء وَالْفَجْر فِي جَمَاعَة
عَن عُثْمَان بْن عَفَّان أَنَّه قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه : (مَن صَلَّى الْعِشَاء فِي جَمَاعَة كَان كَقِيَام نِصْف لَيْلَة ، وَمَن صَلَّى الْعِشَاء وَالْفَجْر فِي جَمَاعَة كَان كَقِيَام لَيْلَة) .
لِذَلِك يَنْبَغِي الْحِرْص عَلَى أَدَاء الْفَرَائِض فِي الْمَسَاجِد جَمَاعَة ، وَأَن لَا نَفُوْتِهَا الْبَتَّة لِعِظَم أَجْرِهَا ، خُصُوْصَا الْعَشَاء وَالْفَجْر
(2) أَدَاء أَرْبَع رَكَعَات قَبْل صَلَاة الْظُّهْر
عَن أَبِي صَالِح رَحِمَه الْلَّه تَعَالَى مَرْفُوْعا مُرْسَلا أَن الْنَّبِي قَال : (أَرْبّع رَكَعَات قَبْل الْظُّهْر يَعْدِلْن بِصَلَاة الْسَّحَر) .
وَمِن مَزَايَا هَذِه الْرَّكَعَات الْأَرْبَع أَنَّهَا تُفَتَّح لَهَا أَبْوَاب الْسَّمَاء ، لِمَا رَوَاه أَبُو أَيُّوْب الْأَنْصَارِي أَن النَّبِي قَال : (أَرْبَع قَبْل الْظُّهْر تُفْتَح لَهُن أَبْوَاب الْسَّمَاء) .
الْرَّاوِي: أَبُو صَالِح الْمُحَدِّث: الْأَلْبَانِي - الْمَصْدَر: السِّلْسِلَة الْصَّحِيْحَة - الْصَفْحَة أَو الْرَقَم: 1431خُلَاصَة الْدَّرَجَة: حُسْن لِشَوَاهِد
وَلِهَذَا كَان الْنَّبِي يَحْرِص كُل الْحِرْص عَلَى أَدَاء هَذِه الْرَّكَعَات ، وَإِذَا فَاتَتْه لِأَي ظَرْف طَارِئ قَضَاهَا بَعْد الْفَرِيْضَة وَلَا يَتْرُكَهَا
(3) أَدَاء صَلَاة التَّرَاوِيْح كُلَّهَا مَع الْإِمَام
عَن أَبِي ذَر الْغِفَارِي قَال : صُمْنَا مَع رَسُوْل الْلَّه رَمَضَان ، فَلَم يَقُم بِنَا شَيْئا مِن الْشَّهْر حَتَّى بَقِي سَبْع ، فَقَام بِنَا حَتَّى ذَهَب ثُلُث الْلَّيْل ، فَلَمَّا كَانَت الْسَّادِسَة لَم يَقُم بِنَا ، فَلَمَّا كَانَت الْخَامِسَة قَام بِنَا حَتَّى ذَهَب شَطْر الْلَّيْل ، فَقُلْت : يَا رَسُوْل الْلَّه لَو نَفَّلْتَنَا قِيَام هَذِه الْلَّيْلَة، قَال : فَقَال : (إِن الْرَّجُل إِذَا صَلَّى مَع الْإِمَام حَتَّى يَنْصَرِف حُسِب لَه قِيَام لَيْلَة)
(4) قِرَاءَة مِئَة آَيَة فِي الْلَّيْل
عَن تَمِيْم الْدَّارِي قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه : (مَن قَرَأ بِمِئَة آَيَة فِي لَيْلَة كُتِب لَه قُنُوْت لَيْلَة) .
وَقِرَاءَة مِئَة آَيَة أَمَر سَهْل لَن يَقْتَطِع مِن وَقْتِك أَكْثَر مِن عَشْر دَقَائِق ، وَيُمْكِن أَن تُدْرِك هَذَا الْفَضْل إِن كَان وَقْتَك ضَيِّقَا بِقِرَاءَة أَوَّل أَرْبَع صَفَحَات مِن سُوْرَة الْصَّافَّات مَثَلا ، أَو قِرَاءَة سُوْرَة الْقَلَم وَالْحَاقَّة وَإِذَا فَاتَك قِرَاءَتِهَا بِالْلَّيْل فَاقْضِهَا مَا بَيْن صَلَاة الْفَجْر إِلَى صَلَاة الْظُّهْر ، وَلَا تَكْسَل عَنْهَا ، تُدْرِك ثَوَابُهَا بِإِذْن الْلَّه تَعَالَى لَمّا رَوَاه
عُمَر بْن الْخَطَّاب قَال : قَال رَسُوْل الْلَّه : (مَن نَام عَن حِزْبِه أَو عَن شَيْء مِّنْه ، فَقَرَأَه فِيْمَا بَيْن صَلَاة الْفَجْر وَصَلَاة الْظُّهْر ، كُتِب لَه كَأَنَّمَا قَرَأَه مِن الْلَّيْل) .
صَحِيْح انْظُر حَدِيْث رَقِم : 6561 فِي صَحِيْح الْجَامِع
(5) قِرَاءَة الْآَيَتَيْن مِن آَخِر سُوْرَة الْبَقَرَة فِي الْلَّيْل
عَن أَبِي مَسْعُوْد قَال : قَال الْنَّبِي : (مَن قَرَأ بِالْآَيَتَيْن مِن آَخِر سُوْرَة الْبَقَرَة فِي لَيْلَة كَفَتَاه) .
قَال الْنَّوَوِي رَحِمَه الْلَّه تَعَالَى : قِيَل : مَعْنَاه كَفَتَاه مِن قِيَام الْلَّيْل ، وَقِيْل : مِن الْشَّيْطَان, وَقِيْل : مِن الْآَفَات, وَيَحْتَمِل مِن الْجَمِيْع
عَن أَبِي مَسْعُوْد رَفَعَه : "مَن قَرَأ خَاتِمَة الْبَقَرَة أَجْزَأَت عَنْه قِيَام لَيْلَة" اهـ .
إِن قَرَاءَة هَاتَيْن الْآَيَتَيْن أَمَر سَهْل جَدَّا وَمُعْظَم الْنَّاس يَحْفَظُونْهُما وَلِلَّه الْحَمْد ، فَحَرِي بِالْمُسْلِم الْمُحَافَظَة عَلَى قِرَاءَتِهَا كُل لَيْلَة ، وَلَا يَنْبَغِي الِاقْتِصَار عَلَى ذَلِك لِسُهُولَتِه وَتَرَك بَقِيَّة الْأَعْمَال الْأُخْرَى الَّتِي ثَوَابُهَا كَقِيَام الْلَّيْل ؛ لِأَن الْمُؤْمِن هَدَفُه جَمْع أَكْبَر قَدْر مُمْكِن مِن الْحَسَنَات ، كَمَا أَنَّه لَا يَدْرِي أَي الْعَمَل سَيُقْبِل مِنْه .
(6) حُسْن الْخُلُق
عَن عَائِشَة رَضِي الْلَّه عَنْهَا قَالَت سَمِعْت رَسُوْل الْلَّه يَقُوْل : (إِن الْمُؤْمِن لَيُدْرِك بِحُسْن خُلُقِه دَرَجَات قَائِم الْلَّيْل صَائِم الْنَّهَار) .
قَال أَبُو الْطَّيِّب مُحَمَّد شَمْس الْدِّيْن آَبَادِي رَحِمَه الْلَّه تَعَالَى : وَإِنَّمَا أُعْطِي صَاحِب الْخُلُق الْحَسَن هَذَا الْفَضْل الْعَظِيْم ؛ لِأَن الْصَّائِم وَالْمُصَلِّي فِي الْلَّيْل يُجَاهِدَان أَنْفُسِهِمَا وَحَسُن الْخَلْق يَكُوْن بِتَحْسِيْن الْمُعَامَلَة مَع الْنَّاس وَكَف الْأَذَى عَنْهُم
(7) الْسَّعِي فِي خِدْمَة الْأَرْمَلَة وَالْمِسْكِيْن
عَن أَبِي هُرَيْرَة قَال : قَال الْنَّبِي : (الْسَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَة وَالْمِسْكِيْن ؛ كَالْمُجَاهِد فِي سَبِيِل الْلَّه أَو الْقَائِم الْلَّيْل الْصَّائِم الْنَّهَار)
وَيُمْكِن أَن تَكْسِب هَذَا الْثَّوَاب الْجَزِيْل ، لوَسَعَيت فِي خِدْمَة أَرْمَلَة ، وَهِي الَّتِي مَات عَنْهَا زَوْجُهَا ، فَتَقْضِي حَوَائِجِهَا ، وَهَذَا لَيْس بِالْأَمْر الْعَسِير ، لِأَنَّك لَو فَتَّشْت فِي أَهْل قَرَابَتِك سَتَجِد الْبَعْض مِمَّن مَات عَنْهَا زَوْجُهَا مِن عَمَّة أَو خَالَة أَو جِدَة ، فَبِخِدِمَتِهَا وَشِرَاء حَاجِيَاتِهَا تَكْسِب ثَوَاب الْجِهَاد أَو قِيَام الْلَّيْل .
( الْمُحَافَظَة عَلَى بَعْض آَدَاب الْجُمُعَة
عَن أَوْس بْن أَوْس الْثَّقَفِي قَال : سَمِعْت رَسُوْل الْلَّه يَقُوْل : (مَن غَسَّل يَوْم الْجُمُعَة وَاغْتَسَل ، ثُم بَكَّر وَابْتَكَر ، وَمَشَى وَلَم يَرْكَب ، وَدَنَا مِن الْإِمَام ، فَاسْتَمّع وَلَم يَلْغ ، كَان لَه بِكُل خُطْوَة عَمَل سَنَة ؛ أَجْر صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) .
فَخَطْوَة وَاحِدَة إِلَى الْجُمُعَة مِمَّن أَدَّى هَذِه الْآدَاب لَا يَعْدِل ثَوَابُهَا قِيَام لَيْلَة أَو أُسْبُوْع أَو شَهْر ، وَإِنَّمَا يَعْدِل سَنَة كَامِلَة ، فَتَأَمَّل فِي عَظْم هَذَا الْثَّوَاب .
(9) أَن تَنْوِي قِيَام الْلَّيْل قَبْل الْنَوْم
عَن أَبِي الْدَّرْدَاء ، يَرْفَعُه إِلَى الْنَّبِي قَال مَن أَتَى فِرَاشَه وَهُو يَنْوِي أَن يَقُوْم يُصَلِّي مِن الْلَّيْل ، فَغَلَبَتْه عَيْنَاه حَتَّى أَصْبَح ، كُتِب لَه مَا نَوَى ، وَكَان نَوْمُه صَدَقَة عَلَيْه مِن رَبِّه عَز وَجَل) .
أَرَأَيْت أَهَمِّيَّة الْنِّيَّة وَأَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْعَمَل ؟ لِذَلِك نُدْرِك خُطُوْرَة مَن يَنَام وَهُو لَا يَنْوِي أَدَاء صَلَاة الْفَجْر فِي وَقْتِهَا ، وَإِنَّمَا تَرَاه يُضْبَط الْمُنَبِّه عَلَى وَقْت الْعَمَل أَو الْمَدْرَسَة ، فَهَذَا إِنْسَان مِصْر عَلَى ارْتِكَاب كَبِيْرَة مِن الْكَبَائِر ، فَلَو مَات عَلَيْهَا سَاءَت خَاتِمَتِه عِيَاذا بِالْلَّه
(10)أَن تُعَلِّم غَيْرَك الْأَعْمَال الَّتِي ثَوَابُهَا كَقِيَام الْلَّيْل
فَإِن تَعْلِيْمِك الْنَّاس لِلْأَعْمَال الَّتِي ثَوَابُهَا كَقِيَام الْلَّيْل وَسَيْلَة أُخْرَى تُنْال بِهَا ثَوَاب قِيَام الْلَّيْل ، فَالَّدَّال عَلَى الْخَيْر كَفَاعِلِه ، فَكُن دَاعِيَة خَيْر وَانْشُر هَذِه الْمَعْلُوْمَات تَكْسِب ثَوَابا بِعَدَد مَن تَعَلَّم مِنْك وَعَمِل بِه